قال فضيلة الشَّيخ العلَّامة / زيد بن محمَّد المدخلي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-: « «مِنْ قواعد الدَّعوة السَّلفية الرَّاسخة، ومزاياها الرَّفيعة الثَّابتة»:
١. دعوة المسلمين والمسلمات ليستجيبوا لنداء ربِّهم الملك الحقِّ المبين، ودعوة نبيِّهم النَّاصح الأمين، وذلك بالرُّجوع الصَّادق المخلص إلىٰ الكتاب العزيز والسُّنَّة المطهَّرة في كل شأنٍ من شئونِهم، علىٰ منهاج السَّلف الصَّالح وأتباعهم من العُلماء الرَّبانيين والأولياء القانتين الَّذين عملوا به ودعوا النَّاس إليه بأسلوب رحيم، وعلىٰ .هدي مستقيم، ورجاء رحمة الله وخشية عقابه
2.الحرص علىٰ العلم بالحقّ مِنْ مصدره الأصيل المنوه عنه آنفًا، ونشره لأهل الأرض رحمةً بالخلق وإقامة الحجَّة بإيضاح المحجَّة
3. وجُوب بذل النُّصح ممَّن يُحسنه للمُسلمين والمسلمات، إذْ أن ذلك مِنْ أعظم الفرائض وأزكىٰ القُربات، بشرط أنْ يكون النَّاصح متحليًّا بالعلم والحلم والصِّدق والإخلاص، وكيف لا تكون هذه المنزلة الرَّفيعة للنَّصيحة، وقد قالَ النَّبِيّ الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ…)). الحديث.
4. منهج السَّلف الصَّالح وأتباعهم لا ينحصر في مباحث الاعتقاد، بل إنَّهُ عقيدةٌ وعملٌ بِما تحمل كلمة العمل مِنْ معنىٰ، وعليه »فالسَّلفيَّة: عقيدةٌ وعمل ».
5. السَّعي الحثيث والجهاد المخلص الدَّائم علىٰ جمع كلمة المسلمين والتَّعاون بينهم علىٰ البر والتَّقوى، ألا وإنَّ خير معين علىٰ جمع الكلمة ووحدة الصَّف وتحقيق منهج التَّعاون علىٰ البر والتَّقوىٰ هُو لُزوم السُّنة وإحياؤها بالتَّصفية والنَّشر، ومحاربة البدع الَّتي يُريد أهلها هدم السُّنن ليُحققوا مقاصدهم الخاطئة بحسن نيَّة أو بعكس ذلك.
6. الرُّجوع في الأمور الَّتي يقع التَّنازع فيها إلى الكتاب والسُّنَّة مطلبٌ شرعيٌّ دلَّ عليه الوحي الكريم والعقل الصَّحيح السَّليم، كما قالَ المولىٰ الكريم: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ ﴿النِّساء: 59﴾. ومِنْ غير جدل أنَّ هذا هُو الميزان بالقسط، ولكن بفهم السَّلف وعلىٰ أصُولهم السَّليمة وقواعدهم المستقيمة، فإنَّ هذه الأمَّة جعل عافيتها في أوَّلها، فالرُّجوع إلى نصوص الكتاب بمفهوم دأب العلماء الرَّاسخين وخلق الأولياء الصَّالحين المتَّقين.
7. منهج التَّصفية والتَّربية ثابتٌ للسَّلف ومعلومٌ للفضلاء منهم بطريق الاسْتقراء، والمراد بالتَّصفية بمعناها العام تصفية الحقّ من الباطل، والطَّيب من الخبيث، وعلىٰ سبيل الخصوص تصفية السُّنَّة الغراء وأهلها من البدعة المضلَّة وأنصارها، وأمَّا المراد بالتَّربية: فهي دعوة جميع المكلّفين ليتأدبوا ويتخلقوا بما أنزله لهم ربّهم علىٰ عبده ورسُوله محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكون لهم خُلقًا وأدبًا وسلوكًا، إذْ لا تطيب حياتهم ويصلح حالهم ومآلهم إلاَّ بذلك، ونعوذُ بالله مِنْ سوىٰ ذلك.
8. وجوب الالتزام -ظاهرًا وباطنًا- بطاعة ولاة أمُور المسلمين في المعروف والدُّعاء لهم سرًّا وعلنًا بالهداية والعون والتَّوفيق، إذْ إنَّ صلاحهم سببٌ في صلاح العباد والبلاد والعكس إلاَّ ما رحم ربّك، ألا وإنَّ طاعتهم:
أ. القيام بحقوقهم وتأليف قلوب الرَّعية عليهم طاعة لله وعملاً بِهدي رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ب. وعدم الخروج عليهم بأيّ وسيلة مِن وسائل الخروج سواء كان بالسَّلاح أو الكلام المهيج لرعاع النَّاس ودهمائهم، ونصوص الكتاب والسُّنَّة إذْ تحرم ذلك، فلأنَّهُ يفضي إلى النَّقص في الدِّين، وكما يفضي إلىٰ هتك أعراض المسلمين، وسفك دمائهم، وتعطيل مصالحهم، وانتشار الفوضىٰ بينهم، وزرع العداوات الجاهليَّة في مجتمعاتِهم، إلىٰ غير ذلك من الأسواء القوليَّة والفعليَّة الَّتي لا يرضاها الشَّرع الكريم، ولا صاحب العقل السَّليم.
9. الإيمان الجازم بأن دعوة الهدى والنُّور تستمد قوتَها وتقتبس ضوئها بصحَّة البرهان الَّذي جاء به من أنزل عليه الفرقان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولَم تستمد ذلك من كثرة أقوال الرِّجال وآرائهم، وعليه فلا وحشة مِن قلَّة السَّالكين علىٰ درب الحقِّ المبين، ولا اغترار بكثرة المنحرفين والزَّائغين عن هدي سيّد المرسلين، عليه مِن الله أفضل الصَّلاة وأتمّ التَّسليم.
10. محبَّة الصَّحابة الكرام وأتباعهم علىٰ الإيمان والإحسان والإسلام فرضٌ من فروض الإسلام، والحق أنَّ مَن سبَّ الصَّحابة أو شتمهم أو تنقَّص واحدًا منهم أو أظهر بغضهم أو أضمره فقد جمع إلى الزَّندقة كبائر الذُّنوب والآثام. وأنَّ المعادي لأولياء الله بالسَّب والشَّتم والعداوة والبغضاء محاربٌ لله فلينظر عقوبات الله الَّتي إذا نزلت لا ترد عن أهل الفساد والإجرام.
دليل ذلك أيُّها القراء الكرام! ف
ي براهين دين الإسلام، أحدهما قول ذي الجلال والإكرام، في وصف الله لنبيِّه مُحمَّد -عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام- ووصف أصحابه الكرام:﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمًا﴾ ﴿الفتح:29﴾. وقول المصطفىٰ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((مَنْ عادىٰ لي وليًّا فقد آذنته بالحرب)).
11. العناية بعلاج النُّفوس والقلوب من أمراض الشُّبهات الَّتي يلقيها الشَّيطان إلىٰ العبد لتقدح في إيْمانه وكذا العناية بعلاج النُّفوس والقلوب من مرض الشَّهوات الَّتي يلقيها الشَّيطان علىٰ النَّفوس والقلوب فتقدح في الإيمان كذلك.
ودفع هين المرضين يحتاج إلى أمرين: أحدهما: الصَّبر. والثَّاني: اليقين.
كما قالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ ﴿السَّجدة: 24﴾. فقد أخبر سُبْحَانَهُ في هذه الآية الكريمة أنَّ إمامة الدِّين إنَّما تُنال بالصَّبر واليقين. فالصَّبر يدفع الشَّهوات، واليقين يدفع الشُّبهات.
12. لا يصلح آخر هذه الأمَّة إلاَّ بِما صلح به أولها: هذه قاعدة جليلة عند السَّلف وأتباعهم تشهد لها نصوص الكتاب والسُّنَّة، الَّتي تَهدف إليها تلكم القاعدة يعرف ذلك من عرف المعاني.
13. توقير العلماء الرَّبانيين أحياءً وأمواتًا، ومحبَّتهم وأخذ العلم عن الأحياء منهم والتَّتلمذ علىٰ كتب الموتىٰ منهم، والذَّب عنهم ميزة من ميزات منهج السَّلف، والعكس بالعكس، فإنَّ الوقعية في العُلماء ونبزهم بالألقاب ولمزهم بإلصاق التّهم الباطلة والعيوب المختلفة من علامات أهل البدع والضَّلال، والَّذين زيّن لهم الشَّيطان ما كانوا يعملون.
14. الفرح بِهداية المهتدي بالهداية الشَّرعيَّة، والأسىٰ علىٰ المتمادي في الغواية والضَّلالة بدون اعتراض علىٰ القدر من صفات السَّلف وأتباعهم وخُلُق مِنْ أخلاقهم.
15. المحبَّة الشَّرعية علىٰ وجهها الأسىٰ ومنهج الولاء والبراء من قواعد المنهج السَّلفي، ولا يشاركهم فيه إلاَّ من تأسىٰ بِهم وألزم نفسه بسلوكهم وآدابِهم.
16. التَّصريح الواضح الجلي المأثور عن الأسلاف وأتباعهم حقيقة أن طلاب العلم في كلِّ زمان ومكان في حاجة ماسَّة إلىٰ معرفة كتب الرُّدود على أهل الأهواء والبدع وكتب الجرح والتَّعديل؛ ليحذروا من الاغترار بالمجروحين ويسلموا مِنْ شرّ المبتدعين، ومِنْ ثمَّ يكونوا حراسًا مِنْ حرس العقيدة السَّليمة، وقائمين بالذَّبّ عن السُّنَّة الصَّحيحة القويمة.
17. مَنْ عَلِمَ وعمل وعلَّم فإنَّهُ يدعىٰ ربَّانيًّا في ملكوت السَّموات.
18. الحقّ عندهم وسط بين ضلالتين: وهُما الإفراط، والتَّفريط.
19. أهل السُّنَّة والجماعة وسطٌ بين الخوارج الَّذين يكفرون بكبائر الذُّنوب، وبين المرجئة الَّذين يقولون إنَّهُ لا يضر مع الإيْمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. ومعنىٰ وسطيَّة أهل السُّنَّة بين هاتين الفرقتين: أنَّ أهل السُّنَّة يقولون في صاحب الكبيرة: فاسق بكبيرته، ومؤمن بِما معه من الإيْمان، ومَن مات مصرًّا علىٰ الكبيرة فهو تحت المشيئة -إنْ شاء الله- عذَّبه في النَّار بقدر ما جنىٰ، وأدخله الجنَّة، وإنْ شاء عفا عنه فلم يعاقبه بالنَّار أبدًا.
20. الرَّدُّ علىٰ المخالف من القواعد الَّتي قامت وتقوم عليها الدَّعوة السَّلفية، وبالأخص الرَّد على أهل البدع، كما قال ابن القيِّم -رَحِمَهُ اللهُ- في « مدارج السَّالكين » (1/372) ما نصّه: »واشتدَّ نكير السَّلف والأئمَّة لها -البدعة- وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذروا من فتنتهم أشدّ التَّحذير، بالغوا في ذلك ما لَمْ يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظُّلم والعدوان، إذ مضرَّة البدع وهدمها للدِّين ومنافاتُها له أشدّ ».اهـ.
قلتُ: ولشدَّة ضررها فإنَّ الرَّد على أهلها باب عظيم من أبواب الجهاد، وموقع مهم سدّه مِن أفضل الجهاد في سبيل الله.
قالَ ابن تيميَّة -رَحِمَهُ اللهُ-« الفتاوىٰ » (4/13): « فالرَّاد على أهل البدع مجاهدٌ حتَّى كان يحيى بن يحيى يقول: «الذَّبُّ عن السُّنَّة أفضل من الجهاد» ».اهـ.
وأمَّا كيفيَّة الرَّد: فإنَّهُ يكون بمجادلتهم بالنُّصوص، وبيان وجه الاسْتدلال ليتضح الأمر وتنقطع الشُّبهة ويزول الضَّرر عن النَّاس لا سيَّما من قلَّ نصيبهم من العلم، وهذا الصَّنيع يعتبر جهادًا بالقلم واللِّسان.
21. كل دعوة عند أتباع السَّلف باسم الإسلام وشريعة خير الأنام لَمْ تكن على منهاج النُّبوَّة لا تقبل، ولا
تثمر لأنَّها لا نصيب لها من النَّجاح الحقيقي مهما نظمت لها من الدّعايات وروّج لها في المجتمعات.
22. اختيار الكتاب والمعلم مِنْ منهج أتباع السَّلف، فتراهم يختارون في مكتباتِهم الخاصَّة كتب علماء السَّلف وأتباعهم لسلامتها مِنْ أنواع الانحراف العقدي والمنهجي، وهكذا يختارون الأشياخ السَّلفيين لأخذ العلم عنهم حرصًا منهم علىٰ سلامة المعتقد والمنهج الَّذي لا يوجد علىٰ وجه التَّمام إلاَّ عندهم، والواقع شاهد بذلك.
23. السَّلف وأتباعهم لا يعتبرون أهل البدع والخرافات مجدِّدين ، وإنْ أحرزوا شيئًا من العلم، لأنَّ من صفات المجدِّد بالدَّرجة الأولىٰ صحَّة الاعتقاد وسلامة المنهج العلميّ. واللهُ تَعَالَىٰ أعلم، وَصَلَّى اللهُ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم ».اهـ.
([«الأجوبة السَّديدة علىٰ الأسئلة الرَّشيدة» / (6/406،413)])